الطيب و الحليب و الجميع

يبلغ الطفل محمد من العمر عشر سنوات, وهو من المع أبناء صفه علما وذكاء, والداه فقيران يسكنان في غرفة صغيرة ويملكان قوت يومهما فقط , ويملكان مخافة الله.



شاء القدر أن يمرضا بمرض السرطان وأن يموتا في نفس السنة ولم يقدر محمد على علاجهما لانعدام الأموال.
بقي محمد وحيدا بين أنياب المجتمع المفترس وقرر أن يكافح وان يعمل ويتعلم معا وصمم بأن يصبح طبيبا ويختص بمرض السرطان حتى يساعد ويعالج الفقراء.
اشترى بعض البضائع وأخذ يتجول بين البيوت بعد الدوام من المدرسة ليبيع ما تيسر منها , ويعود إلى غرفته في المساء لإتمام واجباته المدرسية وهكذا مول دراسته كل الوقت.
دخل يوما إلى احد البيوت ليبيع صاحبة البيت بعض الحاجيات وقد وضعت صاحبة البيت كوبا من الحليب أمامها فوقع نظره على كوب الحليب وكان قد مضى عليه سنوات لم يذق بها محمد طعم الحليب , فلاحظت صاحبة البيت ذلك ونادته :- يا بني جسمك نحيل وأنت تبدو مرهقا خذ كوب الحليب وأشربه , فشرب محمد الحليب ولم يصدق ذلك وشكر لصاحبة البيت حسن صنيعها وذهب في سبيله.
ومرت الأيام والسنين وتخرج محمد من الثانوية العامة بامتياز ودخل كلية الطب وتخرج منها بامتياز كذلك وتخصص بالأمراض السرطانية وفتح مستشفى كبيرا لمعالجة مرضى السرطان واشتهر الطبيب محمد بأنه أفضل الأطباء لمعالجة مرض السرطان وقدم إليه المرضى بالمئات للاستفادة من خبرته.
وذات يوم دخلت عليه امرأة تبلغ من العمر ستين عاما على وجهها الشحوب , وأنهكها الضعف وكانت قد أصيبت بسرطان الدم وقدمت إلى الطبيب محمد للعلاج وشرحت للطبيب بأن وضعها المادي لا يمكنها من المكوث في المستشفى حتى نهاية العلاج لأنها لا تقدر على دفع فاتورة المستشفى .
بدأ الدكتور محمد بعلاج المرأة وناداها طوال الوقت "لا تقلقي يا أمي" الله هو الشافي , وأعطاها الطبيب غرفة خاصة في المستشفى واشرف على معالجتها شهرا كاملا حتى شفيت من المرض تماما وكانت قد طلبت منه أن تتحرر من المستشفى لإكمال العلاج في البيت لأنها لا تقدر على تسديد مصاريف المستشفى , والطبيب كان يرفض ويرفض. وكان اليوم الفاصل والذي قرر الطبيب لهذه المرأة أن تتحرر من المستشفى وان ترجع لبيتها وبكت المرأة طويلا لأنها لا تقدر على تسديد فاتورة المستشفى.
خرج الدكتور محمد من المستشفى لأنه لا يقدر على وداع المرأة وترك لها ظرفا مغلقا مع الممرضة أتدرون ما كتب بداخلة؟؟؟ "لقد سددت مصاريف المستشفى بنفسك قبل عشرين سنة بكأس من الحليب".